مأساة الجوع في زمن الحرب وأثرها على الحياة
في خضم الحرب والمجاعة، يروي هذا المقال قصة مؤلمة عن الجوع الذي يفتك بالعائلات في غزة. كيف تعيش الأم مع طفلها في ظل نقص الطعام، وتحديات الحياة اليومية؟ انضموا إلينا لاكتشاف معاناة إنسانية تستحق الاهتمام. خَبَرَيْن.

يقول المثل العربي "لا صوت يعلو فوق صوت الجوع".
وقد أصبح الآن حقيقة مؤلمة تحيط بنا وتقترب منا مع مرور كل يوم.
لم أتخيل يومًا أن الجوع يمكن أن يكون أكثر رعبًا من القنابل والقتل. لقد باغتنا هذا السلاح على حين غرة، ولم نكن نتصور أبدًا أن يكون أكثر وحشية من أي شيء آخر واجهناه في هذه الحرب التي لا تنتهي.
شاهد ايضاً: الحوثيون في اليمن يطلقون النار على مطار إسرائيلي أثناء البحث عن طاقم سفينة في البحر الأحمر
لقد مرّت أربعة أشهر دون وجبة واحدة كاملة لعائلتي، لا شيء يلبي حتى الاحتياجات الأساسية في تسلسل ماسلو الهرمي.
تدور أيامي حول الجوع. إحدى الأختين تتصل لتسأل عن الدقيق، والأخرى ترسل رسالة تقول فيها أن كل ما لديهم هو العدس.
يعود أخي خالي الوفاض من بحثه الطويل عن طعام لطفليه.
استيقظنا ذات يوم على صوت صراخ جارتنا وهي تصرخ من الإحباط.
"سأصاب بالجنون. ما الذي يحدث؟ أنا أملك المال، لكن لا يوجد ما أشتريه"، قالت عندما خرجت لتهدئتها.
هاتفي لا يتوقف عن الرنين. المكالمات من نساء باكيات التقيت بهن أثناء العمل الميداني في مخيمات النازحين: "آنسة مرام؟ هل يمكنك المساعدة في أي شيء؟ كيلو من الطحين أو أي شيء؟ ... نحن لم نأكل منذ أيام".
هذه الجملة تتردد في أذني: "لم نأكل منذ أيام". لم يعد الأمر صادمًا.
المجاعة تسير إلى الأمام في وضح النهار، بلا خجل في عالم يفخر بـ "إنسانيته".
عيد ميلاد ثانٍ وسط الندرة
استيقظ إياس يطلب كوبًا من الحليب اليوم، عيد ميلاده.
لقد بلغ عامه الثاني في خضم الحرب. كتبت له مقالًا في عيد ميلاده العام الماضي، لكنني الآن أنظر إلى الوراء وأفكر: "على الأقل كان هناك طعام!"
طلب بسيط من طفل للحصول على بعض الحليب يجعلني في زوبعة.
كنت قد أقمت بالفعل جنازة هادئة بداخلي منذ أسابيع على آخر ما تبقى من الحليب، ثم الأرز والسكر والبرغل والفاصوليا، والقائمة تطول.
لم يتبق لي سوى أربعة أكياس من المعكرونة وخمسة من العدس و10 كيلوغرامات ثمينة (22 رطل) من الدقيق، ما يكفي لأسبوعين إذا ما اقتصدت في التقنين بإحكام، وحتى هذا يجعلني أكثر حظًا من معظم سكان غزة.
الدقيق يعني الخبز، الذهب الأبيض الذي يموت الناس من أجله كل يوم.
كل كوب أضيفه إلى العجين أشعر بثقله. أهمس لنفسي "كوبان فقط". ثم أضيف قليلًا، ثم قليلًا، على أمل أن أمد هذه القطع الصغيرة بطريقة ما إلى خبز يكفي ليوم كامل.
شاهد ايضاً: حتى آخر نفس: البحث عن الأقارب في 'مسلخ' سوريا
لكنني أعلم أنني أخدع نفسي. يعرف عقلي أن هذا لن يكون كافيًا لتهدئة الجوع؛ فهو لا ينفك يحذرني من قلة الدقيق المتبقي لدينا.
لا أعرف ماذا أكتب بعد الآن. لكن هذا فقط ما أعيشه، ما أستيقظ وأنام عليه.

ما هي الأهوال الباقية؟
أفكر الآن في روتين صنع الخبز الصباحي الذي كنت أستاء منه.
كأم عاملة، كرهت ذات مرة تلك العملية الطويلة التي فرضتها الحرب، والتي جعلتني أشتاق إلى شراء الخبز من المخبز.
ولكن الآن، أصبح هذا الروتين مقدسًا. الآلاف من الناس في جميع أنحاء غزة يتمنون أن يتمكنوا من عجن الخبز بلا نهاية. أنا واحدة منهم.
الآن أتعامل مع الدقيق باحترام، وأعجن بلطف، وأقطع الأرغفة بعناية، وأقوم بفردها وإرسالها للخبز في الفرن الطيني العمومي مع زوجي الذي يوازن الصينية على رأسه بحب.
ساعة كاملة تحت أشعة الشمس في الفرن لمجرد الحصول على رغيف خبز دافئ، ونحن من بين "المحظوظين". نحن الملوك، الأثرياء.
هذا الروتين اليومي "البائس" أصبح حلماً بعيد المنال لمئات الآلاف في غزة.
الجميع يتضورون جوعًا. هل من الممكن أن هذه الحرب لا تزال تخبئ المزيد من الأهوال في جعبتها؟
لقد اشتكينا من النزوح. ثم قُصفت منازلنا. لم نعد أبدًا.
شكونا من أعباء الطهي على النار، وصنع الخبز، وغسل الملابس يدويًا، ونقل المياه.
الآن تبدو هذه "الأعباء" وكأنها من الكماليات. لا يوجد ماء. لا صابون. لا مؤن.
آخر تحديات إياس
قبل أسبوعين، وبينما كانت الأفكار تستغرقني في التفكير في كيفية تمديد آخر حفنات الدقيق، ظهر تحدٍ آخر: تدريب إياس على استخدام الحمام.
نفدت الحفاضات لدينا. بحث زوجي في كل مكان، وعاد خالي الوفاض.
لا حفاضات، لا حليب أطفال، لا شيء على الإطلاق.
بهذه البساطة.
يا إلهي، كم كانت سنوات هذا الطفل الأولى غريبة وقاسية. لقد فرضت الحرب الكثير من التغييرات التي لم نستطع حمايته منها.
كانت سنته الأولى رحلة بحث لا تنتهي عن حليب الأطفال والماء النظيف والحفاضات.
ثم جاءت المجاعة، ونشأ بدون بيض أو حليب طازج أو خضروات أو فاكهة أو أي من العناصر الغذائية الأساسية التي يحتاجها الطفل الصغير.
لقد كافحت وضحّيت بالقليل من صحتي لمواصلة الرضاعة الطبيعية حتى الآن.
كان الأمر صعبًا، خاصةً عندما كنت أعاني من سوء التغذية وأحاول الاستمرار في العمل، ولكن ماذا يمكنني أن أفعل غير ذلك؟ إن التفكير في تربية طفل بدون مغذيات في هذه المرحلة الحرجة أمر لا يطاق.
وهكذا استيقظ بطلي الصغير ذات صباح على تحدي التخلص من الحفاضات. أشفقت عليه وهو يحدق في خوف في مقعد المرحاض الذي بدا له وكأنه نفق عميق أو كهف قد يسقط فيه. استغرقنا يومين كاملين لنجد مقعدًا للأطفال للمرحاض.

كان كل يوم مليئًا بحوادث التدريب، وعلامات عدم استعداده.
شاهد ايضاً: تجنب إيران وإسرائيل حربًا شاملة - حتى الآن
كانت الساعات التي كنت أقضيها جالسة بجانب المرحاض وأنا أشجعه مرهقة ومحبطة. التدريب على استخدام المرحاض مرحلة طبيعية يجب أن تأتي عندما يكون الطفل مستعدًا.
لماذا أنا والعديد من الأمهات الأخريات هنا مجبرات على خوضها هكذا، تحت ضغط نفسي مع طفل لم تتح لي الفرصة لإعداده لذلك؟
لذلك أنام وأنا أفكر في كمية الطعام المتبقية لنا وأستيقظ لأستعجل طفلي في الذهاب إلى المرحاض.
يتراكم الغضب والقلق بينما أحاول إدارة مخزوننا الثمين من المياه بينما تتراكم الملابس المتسخة من الحوادث اليومية.
ثم جاءت أوامر الطرد في دير البلح.
صفعة جديدة. الخطر يتزايد مع اقتراب الدبابات الإسرائيلية.
وها أنا هنا: جائعة، بلا حفاضات، أرفع صوتي على طفل لا يفهم بينما القصف يدوي من حولنا.
لماذا يجب أن نعيش هكذا، أرواحنا تتفكك كل يوم ونحن ننتظر الكارثة التالية؟
لجأ الكثيرون إلى التسول. البعض اختار الموت من أجل قطعة خبز أو حفنة من الدقيق.
والبعض الآخر لزموا بيوتهم منتظرين وصول الدبابات.
والكثيرون مثلي ينتظرون ببساطة دورهم للانضمام إلى صفوف الجائعين دون أن يعرفوا كيف ستكون النهاية.
كانوا يقولون إن الزمن في غزة مصنوع من الدم. أما الآن، فهو الدم والدموع والجوع.
أخبار ذات صلة

الهجمات الإسرائيلية تضرب شمال غزة وسط إدانة الأمم المتحدة لعدم الوصول إلى المساعدات

روح روحي: قصف إسرائيلي يودي بحياة جد في غزة ترك أثرًا في العالم

قطر: تصاعد الزخم في جهود التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة
