نتنياهو يثير التوترات في سوريا المحتلة مجددًا
زيارة نتنياهو للقوات الإسرائيلية في الأراضي السورية المحتلة تثير غضب دمشق وتزيد من الشكوك حول إمكانية التوصل لاتفاق أمني. هل تعكس هذه الزيارة موقفاً متشدداً أم أن هناك آمالاً جديدة في المفاوضات؟ اكتشف التفاصيل على خَبَرَيْن.

أثار ظهور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع القوات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة بشكل غير قانوني في جنوب سوريا غضب دمشق، وأثار المزيد من الشكوك حول إمكانية الاتفاق على اتفاق أمني بين البلدين.
تشير زيارة نتنياهو يوم الأربعاء برفقة عدد من كبار مسؤوليه إلى أنه لا يخطط للتحول عن موقفه المتشدد بشأن سوريا، على الرغم من تشجيع الولايات المتحدة له.
وكانت إسرائيل قد استولت على أراضٍ في مرتفعات الجولان السورية في أعقاب حرب عام 1967، واحتفظت بها منذ ذلك الحين. ومع ذلك، بعد سقوط الديكتاتور المخلوع بشار الأسد في ديسمبر 2024، انتهكت إسرائيل اتفاقية عام 1974 وغزت مرة أخرى أراضي جارتها سوريا، واحتلت المزيد من الأراضي على طول الحدود كجزء من "منطقة عازلة"، بما في ذلك قمة جبل الشيخ ذات الأهمية الاستراتيجية.
كانت إسرائيل تقصف سوريا بالفعل قبل سقوط الأسد، حليف عدوها الإقليمي إيران. ولكن بدلاً من السعي إلى البدء في مسار جديد مع سوريا، ضاعفت إسرائيل من حملة القصف وزادت من عدد غاراتها هذا العام، بما في ذلك في العاصمة دمشق، مما أدى إلى استشهاد العديد من الجنود السوريين وضرب وزارة الدفاع.
بعد الزيارة التي قام بها الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع في وقت سابق من هذا الشهر إلى حليف إسرائيل الرئيسي في البيت الأبيض، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كانت الآمال كبيرة في إمكانية التوصل إلى اتفاق. وقد أكد الشرع في وقت سابق أن المحادثات المباشرة مع إسرائيل جارية لتأمين تسوية دائمة.
ولكن في وقت سابق من هذا الأسبوع، نقلت هيئة البث الإسرائيلية "كان" عن مسؤول حكومي إسرائيلي لم يكشف عن اسمه أن المحادثات وصلت إلى طريق مسدود. فما الخطأ الذي حدث ولماذا؟ وهل تشير رحلة نتنياهو إلى الأراضي السورية المحتلة إلى أنه لا ينوي عقد صفقة؟
ماذا تفعل إسرائيل في سوريا؟
عندما دخلت الدبابات الإسرائيلية إلى سوريا لأول مرة في ديسمبر/كانون الأول 2024، وسّعت إسرائيل من رقعة تواجدها داخل سوريا بحوالي 400 كيلومتر مربع (155 ميلاً مربعاً)، بما في ذلك جبل الشيخ الذي يوفر نقطة مراقبة على جنوب سوريا وشمال إسرائيل.
ووصف نتنياهو التوغل بأنه "موقع دفاعي مؤقت". ومع ذلك، ومع مرور الوقت، أصبح موقف إسرائيل في مرتفعات الجولان وخطابها أكثر رسوخًا، حيث قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس في مارس/آذار إن إسرائيل ستواصل احتلالها لأجزاء من سوريا "لفترة غير محدودة من الزمن".
كما اختارت إسرائيل أن تنصب نفسها كمدافع عن الأقليات العرقية الدرزية والكردية ضد حكومة حاولت إسرائيل أن تصفها بأنها "متطرفة".
لماذا انهارت المحادثات؟
لم تصدر أي من الحكومتين بياناً حول سبب توقف المحادثات.
إلا أن هيئة البث الإسرائيلية العامة "كان"، نقلاً عن مصادر حكومية لم تكشف عن هويتها، ادعت أن المحادثات انهارت بعد أن رفضت إسرائيل سحب قواتها من الأراضي السورية دون ما أسمته "اتفاق سلام شامل".
تفاصيل ما قد تعنيه إسرائيل بـ "اتفاق سلام شامل" ليست واضحة.
ففي سبتمبر/أيلول، أشارت تقارير مسربة إلى أن إسرائيل تطالب، كجزء من أي اتفاق سلام، بأن تنشئ سوريا منطقة منزوعة السلاح جنوب غرب دمشق وصولاً إلى الحدود مع إسرائيل. وسيشمل ذلك منطقة شاسعة، بما في ذلك محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة.
وفي المقابل، تسحب إسرائيل قواتها تدريجياً من الأراضي السورية، باستثناء تلك الموجودة على قمة جبل الشيخ.
ولكن منذ ذلك الحين، يبدو أن إسرائيل تشددت في موقفها، وتشير التقارير في وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن موقف الحكومة الإسرائيلية هو أنها لن تنسحب من الأراضي التي استولت عليها منذ كانون الأول/ديسمبر دون اتفاق سلام كامل مع سوريا وهو أمر غير مطروح على الطاولة.
كما ذكرت مصادر أن إسرائيل طلبت في اللحظة الأخيرة ما أسماه المفاوضون "ممرًا إنسانيًا"، يسمح بالوصول بين إسرائيل ومحافظة السويداء السورية الجنوبية ذات الكثافة السكانية الدرزية.
ووفقًا لأحد المصادر، كان أحد المبادئ الأساسية للاقتراح الإسرائيلي هو الحفاظ على ممر جوي إلى إيران عبر سوريا، الأمر الذي من شأنه أن يسمح بتوجيه ضربات إسرائيلية مستقبلية لإيران.
إذاً، لماذا زار نتنياهو وآخرون المنطقة العازلة؟
قال نتنياهو للقوات الإسرائيلية إن وجودهم داخل الأراضي السورية "ذو أهمية كبيرة"، مضيفاً أن هدفهم هناك حيوي في "حماية حلفائنا الدروز"، على حد زعمه.
وكانت الأقلية الدرزية في سوريا قد وفرت ذريعة للانتشار الإسرائيلي الأخير في سوريا في تموز/يوليو، عندما اتُهمت إسرائيل باستخدام الصراع بين الجماعة والبدو المحليين لتمكين فصائل الأقلية داخل البلاد كمراكز قوة منافسة للحكومة المعترف بها في دمشق.
ويبدو أن توسيع المناطق العازلة مع الدول المجاورة قبل فتح القنوات الدبلوماسية أو المساهمة في إعادة الإعمار بعد الهجمات المدمرة في كثير من الأحيان التي تشنها قواتها العسكرية قد أصبح مبدأً أساسياً في استراتيجية إسرائيل الإقليمية.
ففي قطاع غزة، حيث قتلت إسرائيل ما يقرب من 70,000 فلسطيني، تسعى إسرائيل إلى إقامة منطقة عازلة واسعة كجزء من اتفاق الاستقرار الذي فرضته الولايات المتحدة والذي من شأنه أن يقلل المساحة المحدودة للغاية المتاحة أصلاً لسكان القطاع بعد الحرب بشكل أكبر.
وفي لبنان، حيث قتلت أكثر من 4,000 شخص خلال اجتياحها في تشرين الأول/أكتوبر 2024، اتُهمت إسرائيل بالتمهيد لإنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي اللبنانية، على غرار تلك التي تحاول إقامتها في غزة.
ماذا قالت سوريا وغيرها عن الزيارة؟
وصفت وزارة الخارجية السورية الزيارة بأنها "غير شرعية" و"انتهاك خطير لسيادة سوريا ووحدة أراضيها".
وجاء في بيان صادر عن الوزارة أن "هذه الزيارة تمثل محاولة جديدة لفرض أمر واقع يتناقض مع قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، وتندرج ضمن سياسات الاحتلال الرامية إلى تكريس عدوانه ومواصلة انتهاكاته للأراضي السورية".
كما أدانت دول أخرى، بما في ذلك الأردن وفرنسا وقطر، زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، ووصفتها بأنها تهديد للاستقرار الإقليمي.
كما انتقد المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك ما وصفه بـ "الزيارة العلنية للغاية" التي قام بها نتنياهو، مضيفًا أنها "أقل ما يقال عنها أنها مقلقة".
وأشار دوجاريك إلى أن قرار الأمم المتحدة رقم 2799، الذي أصدره مجلس الأمن الدولي مؤخرًا، "دعا إلى السيادة الكاملة لسوريا ووحدتها واستقلالها وسلامة أراضيها".
كيف يمكن أن يؤثر ذلك على المفاوضات؟
يبدو أنه أعادهم إلى الوراء وترك إسرائيل معزولة إلى حد ما.
ففي يوم الأربعاء، حث مسؤول كبير في الأمم المتحدة إسرائيل على وقف نشاطها في مرتفعات الجولان المحتلة، محذراً من أن تصرفاتها تؤجج التوترات الإقليمية.
وأبلغت نجاة رشدي، نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، مجلس الأمن الدولي أن عمليات إسرائيل تضعف اتفاقية عام 1974 التي أنشئت بموجبها المنطقة العازلة.
وقالت: "لقد تلقيت مناشدة قوية من وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للأمم المتحدة للعمل على وضع حد لهذه الانتهاكات"، وحثت مجلس الأمن الدولي على تحمل مسؤولياته بموجب اتفاقية عام 1974.
ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الرئيسي لإسرائيل، إلى جانب العديد من القوى في المنطقة، قد رفضت التوصيف الإسرائيلي للتطرف السوري.
وخلال استقباله الشرع في البيت الأبيض في وقت سابق من هذا الشهر، أشاد الرئيس الأمريكي ترامب بالزعيم السوري قائلاً: "سنفعل كل ما بوسعنا لإنجاح سوريا، لأن هذا جزء من الشرق الأوسط. لدينا سلام الآن في الشرق الأوسط وهي المرة الأولى التي يتذكر فيها أحد حدوث ذلك على الإطلاق."
كما تقدم المملكة العربية السعودية وقطر ودول خليجية أخرى الدعم الاقتصادي لسوريا منذ الإطاحة بالأسد، حيث أعلنت المملكة العربية السعودية، وهي محور رئيسي لجهود التطبيع بين إسرائيل والولايات المتحدة، عن برنامج لإعادة الإعمار في سبتمبر/أيلول الماضي.
ما هي أهداف إسرائيل النهائية في سوريا؟
يبدو أن إسرائيل تتبع أسلوبها المعتاد في التعامل مع جيرانها استخدام القوة، وطرح الأسئلة لاحقاً، ورفض المساومة.
فهي تعرف أنها القوة العسكرية الأقوى في المنطقة، ولكنها تعتقد أيضاً أنها تواجه تهديدات وجودية، وبالتالي فهي لا تريد إلى حد كبير عقد اتفاقات تعتقد أنها ستفيد خصومها. في جوهرها، تفضل إسرائيل إدارة الأعمال من خلال قوة السلاح بدلاً من عقد الصفقات.
وبالإضافة إلى استمرار احتلالها غير المشروع للأراضي السورية، واصلت إسرائيل احتلال الأراضي اللبنانية وشن هجمات ضد جارتها رغم دخولها في وقف إطلاق النار في نوفمبر 2024.
وفي حديثه في وقتٍ سابق من هذا العام، قال الكاتب والباحث ومؤسس بودكاست "ذا فاير ذيس تايمز"، إيليا أيوب، إن "الإسرائيليين يعتقدون أن وجود جيران أضعف، أي دول غير قادرة على العمل حقًا، مفيد لهم لأنهم في هذا السياق هم الطرف الأقوى".
ومن غير الواضح ما إذا كان ذلك يعني تقسيم سوريا، أو ببساطة الاحتفاظ بمنطقة عازلة كبيرة وربما يتحدد ذلك وفقًا لما ستؤول إليه الأمور.
أخبار ذات صلة

إسرائيل تواصل "هندسة المجازر" مع استمرار استشهاد المزيد من الفلسطينيين جوعًا في غزة

إيران: محادثات النووي مع الولايات المتحدة غير مبررة في ظل الهجمات الإسرائيلية "الهمجية"

ماذا حدث لناشطي قارب مادلين غزة المحتجزين من قبل إسرائيل؟
