تغيرات حاسمة في صراع حضرموت باليمن
تغيرت موازين القوى في اليمن بعد سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على حضرموت. هذه التطورات قد تعيد تشكيل خريطة الصراع وتؤثر على مستقبل الوحدة اليمنية. اكتشف كيف تؤثر هذه الأحداث على الحكومة الشرعية والمجتمع المحلي في خَبَرَيْن.

تمثل المكاسب العسكرية التي حققتها قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في جنوب اليمن نقطة تحول مهمة في الصراعات السياسية والعسكرية في البلاد.
ويدور القتال الأخير بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، والمعروفة باسم مجلس القيادة الرئاسية بقيادة رشاد العليمي. والمفارقة هنا أن المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يقوده عيدروس الزبيدي، هو أيضاً عضو في المجلس التشريعي اليمني. لكن العلاقة بين المجموعتين هشة ومضطربة في بعض الأحيان.
فقد أدانت الحكومة اليمنية التقدم العسكري الأخير للمجلس الانتقالي الجنوبي واستيلائه على الأراضي في جميع أنحاء الجنوب، ووصفت الجماعة بالانفصالية ووصفت تصرفها بأنه "أحادي الجانب وانتهاك صارخ لإطار المرحلة الانتقالية".
شاهد ايضاً: من هم الجماعات التي تتحكم في اليمن؟
وعلى أرض الواقع، استكملت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي سيطرتها على ما تبقى من المحافظات الجنوبية، مما يعزز جهود الجماعة لإحياء طموحها الذي دام عقوداً من الزمن في إقامة دولة مستقلة في جنوب اليمن.
معركة حضرموت
تعيد التطورات الأخيرة والمتسارعة رسم خريطة السيطرة في اليمن، وقد يكون لها المزيد من التداعيات على مستقبل دولة قوية ومتماسكة وموحدة.
كان سقوط حضرموت الأسبوع الماضي مفاجئاً، واعتبر تطوراً صادماً، رغم أنه جاء بعد فترة طويلة من التوتر في المحافظة الغنية بالنفط. وظلت الحكومة اليمنية أقرب إلى المتفرج، حيث احتفظت ببعض الألوية العسكرية المتمركزة في معسكراتها في محافظتي حضرموت والمهرة. في حين كانت الوكلاء المحليون والقبليون التابعون لدول إقليمية يتنافسون على السيطرة والنفوذ.
مستفيداً من معداته العسكرية المتفوقة وقواته الضخمة، تقدم المجلس الانتقالي الجنوبي دون منازع تقريباً للسيطرة على حضرموت والمهرة.
كانت القوات الحكومية تفتقر إلى الأسلحة الحديثة والقوة البشرية الكافية وربما الاستعداد للقتال.
كان سقوط حضرموت محورياً وشكل أهمية كبرى في نظر العديد من السياسيين اليمنيين، نظراً للمكانة الخاصة لهذه المحافظة محلياً وإقليمياً. فقد وجّه ضربة قاضية لما تبقى من مكونات الوحدة اليمنية وشرعية الحكومة، وأحبط كل الرهانات التي كانت تعتبر حضرموت محصنة من السقوط في يد قوات المجلس الانتقالي الجنوبي.
فقد كان لكل من قوات المجلس الانتقالي الجنوبي القادمة والمقاتلين الحكوميين والقبليين المحليين تحالفاتهم وولاءاتهم لقوى إقليمية متنافسة - مع وجود علاقات وولاءات مع زعماء القبائل والسياسيين والفاعلين المحليين في حضرموت.
لماذا حضرموت مهمة؟
تُعد حضرموت محافظة مهمة وأساسية في اليمن، حيث تحتل أكثر من ثلث مساحة البلاد، أي حوالي 200 ألف كيلومتر مربع (77 ألف ميل مربع)، ويبلغ عدد سكانها حوالي مليوني نسمة.
وهي موطن الحصة الأكبر من ثروة اليمن النفطية، وتحتوي على أهم حقول النفط ومحطات التصدير. وعلاوة على ذلك، فهي معقل رجال الأعمال اليمنيين والخليجيين العرب ومهد للثروة الثقافية والتاريخية. وباختصار، فإن حضرموت هي المحافظة اليمنية التي تمتلك مقومات الدولة المكتملة الأركان، وكان يأمل سكانها في إقامة دولة حضرمية تعيد لهم أمجادهم الماضية بعيداً عن الصراع السياسي والعسكري الذي اجتاح بقية المحافظات اليمنية.
لطالما تميزت محافظة حضرموت بطابع سياسي وإداري فريد على مر العصور والأنظمة السياسية في كل الحقب والأنظمة السياسية، خاصة في عهد النظام الاشتراكي الذي حكم الجنوب منذ مطلع السبعينيات وحتى عام 1990، عندما توحد شطرا اليمن، الشمال والجنوب.
واستمر هذا الطابع الفريد في ظل الدولة الموحدة، حيث ظلت حضرموت محكومة من قبل أبنائها ورفضت قبول مسؤولين من خارج حدودها الجغرافية. وبالتالي، فإن أبناء حضرموت يعتبرون سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي عليها احتلالاً غير مسبوق نظراً لأن معظم قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي ينحدرون من محافظتي لحج والضالع وهي مناطق هامشية وهذا أمر غير مقبول بالنسبة لهم. وبالتالي، فإن استقرار واستمرارية سلطة المجلس الانتقالي الجنوبي في المحافظة أمر مشكوك فيه بسبب افتقار المجلس للدعم المحلي والشعبي.
'طلاق بلا عودة'
ومما لا شك فيه أن هذه التداعيات ستلقي بظلالها على المجلس التشريعي اليمني المكون من ثمانية أعضاء في المجلس الانتقالي الجنوبي، برئاسة رشاد العليمي الذي طُرد مع أعضاء حكومته وحرسه من القصر الرئاسي في منطقة المعاشيق في عدن.
وهو ما اعتبره كثيرون "طلاقاً بلا رجعة" ونهاية كارثية لكل التفاهمات والاتفاقات السابقة التي هدفت إلى الحفاظ على نظام سياسي قائم على مبادئ مشتركة لا تضر بأي طرف.
وفي ضوء هذه التطورات، لم تعد الحكومة الشرعية تسيطر إلا على مساحات متواضعة من الأراضي في محافظتي تعز ومأرب.
لكن مأرب محاصرة بالفعل من قبل قوات الحوثيين من الشمال، وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي من الجنوب. الحوثيون هم جماعة مدعومة من إيران ويسيطرون على العاصمة والأجزاء الشمالية والشمالية الغربية من اليمن. أما تعز فهي محاصرة من قبل الحوثيين من الشمال ومن الشرق من قبل قوات العميد طارق صالح، نجل الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، وهي محاصرة من قبل الحوثيين من الشمال ومن الشرق من قبل قوات العميد طارق صالح.
ومن غير المستبعد أن تسقط هذه المناطق في أيدي أي من هذين الطرفين القويين في أي لحظة. وإذا حدث ذلك، فإن الحكومة اليمنية الشرعية ستصبح مجرد قطعة من ورق، رغم أنها عمليًا تفتقر إلى أي تأثير على الأرض منذ صعود قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وتنامي قوة الحوثيين.
التطلع الجنوبي للانفصال غير القابل للتحقيق
كما تقول الباحثة في علم الاجتماع السياسي فيروز الوالي، فإن المجلس الانتقالي الجنوبي لا يملك سلطة إعلان استقلال الجنوب، رغم سيطرته العسكرية على الأرض، لأن هذا القرار ليس بيده بل بيد قوى إقليمية خارجية لها مصالح عميقة في جنوب اليمن.
وأشارت إلى أن الطريق إلى قيام الدولة في الجنوب لا يمر عبر بوابات قصر المعاشيق في عدن، بل عبر مجلس الأمن الدولي، حيث يمكن للقوى الإقليمية أن تلعب دورًا محوريًا.
كما أن هناك إدراكًا بأنه سيكون من الصعب على المجلس الانتقالي الجنوبي إعلان الاستقلال في المستقبل المنظور، على الأقل، بسبب عدم توفر الموارد الأساسية لتمويل ميزانية دولة وليدة تفتقر إلى أبسط مقومات الاستدامة. فمثل هذه الدولة سترث خزينة فارغة من دولة أنهكها أكثر من عقد من الحرب.
وبالإضافة إلى التحديات الاقتصادية والأمنية والعسكرية، وغياب الخدمات العامة، فإن الدولة الجنوبية التي يتصورها المجلس الانتقالي الجنوبي ستواجه خلافات مع الدول القوية المجاورة والدول الأخرى التي لا ترغب في رؤية اليمن مجزأ إلى دويلات صغيرة متحاربة. وهذا من شأنه أن يخلق وضعًا أمنيًا غير مستقر مع عواقب وخيمة على المنطقة بأسرها.
أخبار ذات صلة

قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتل فلسطينيين اثنين في جنين أثناء محاولتهما الاستسلام

البابا ليو يتوجه إلى تركيا ولبنان في أول رحلة خارجية له بصفته زعيمًا كاثوليكيًا

تقرير يكشف عن انتهاكات بحق الفلسطينيين في السجون
