إرث نتنياهو بين القوة والاحتلال المتواصل
يتناول المقال إرث بنيامين نتنياهو وتأثيره على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث يسعى لتعزيز هيمنة إسرائيل عبر القوة، مما يؤدي إلى انتقادات دولية متزايدة. كيف سيتذكر التاريخ هذا الإرث؟ اكتشف المزيد على خَبَرَيْن.

منذ تأسيسها في عام 1948، سعى رؤساء وزراء إسرائيل إلى ترك إرثٍ يدوم طويلاً - بعضهم من خلال الحرب، والبعض الآخر من خلال الدبلوماسية، والبعض الآخر من خلال الأخطاء التاريخية. فقد ضمن ديفيد بن غوريون استقلال الدولة وبنى مؤسساتها التأسيسية. وترأست جولدا مائير حربًا كلفتها منصبها. أما مناحيم بيغن فوقع السلام مع مصر بينما كان يوسع المستوطنات غير الشرعية. بينما اغتيل إسحاق رابين لمحاولته صنع السلام مع الفلسطينيين.
ترك كل زعيم، بطريقة ما، بصمته. ولكن لم يحكم أي منهم لفترة طويلة - أو بشكل مثير للانقسام - مثل بنيامين نتنياهو. والسؤال المطروح الآن أكثر من أي وقت مضى ليس فقط ما هو نوع الإرث الذي يريد أن يتركه، بل ما هو الإرث الذي يصنعه بالفعل.
في عام 2016، توج العالم العربي نتنياهو فعليًا بلقب "ملك الشرق الأوسط" - وهو لقب يعكس نجاحه في وضع إسرائيل كقوة إقليمية دون تقديم أي تنازلات للفلسطينيين. أما اليوم، فأعتقد أنه يرى الفرصة سانحة ليس فقط لتعزيز هذا اللقب، بل لإعادة تشكيل مكانة إسرائيل الإقليمية بشكل دائم - من خلال القوة والإفلات من العقاب واستراتيجية متجذرة في الهيمنة الأمنية.
منذ ولايته الأولى، أصر نتنياهو على أن أمن إسرائيل يجب أن يطغى على جميع الاعتبارات الأخرى. وفي نظرته للعالم، لا تتعارض الدولة الفلسطينية مع أمن إسرائيل فحسب؛ بل هي تهديد وجودي. وحتى لو أقيمت مثل هذه الدولة، فقد أوضح نتنياهو أنه يجب على إسرائيل أن تحتفظ بما يسميه "السيادة الأمنية" على كامل فلسطين التاريخية.
لم يكن هذا مجرد خطاب. فقد شكّل كل قراراته الرئيسية، ولا سيما الحرب الحالية على غزة. فقد دمر العدوان الإسرائيلي أحياءً بأكملها، وقتل عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين الأبرياء، وشرد معظم سكان القطاع البالغ عددهم مليوني نسمة، وتسبب في كارثة إنسانية غير مسبوقة.
وتواجه إسرائيل اتهامات من قبل منظمات حقوق الإنسان ووكالات الأمم المتحدة بارتكاب جرائم حرب وتطهير عرقي وإبادة جماعية. وهي تواجه دعوى قضائية بالإبادة الجماعية، بدعم من عدة دول، أمام محكمة العدل الدولية. كما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك استخدام التجويع كسلاح حرب ضد المدنيين العزل.
ومع ذلك، يصر نتنياهو على أن غزة يجب ألا تشكل تهديدًا لإسرائيل مرة أخرى، وأن التدمير الشامل ضروري لتأمين مستقبل بلاده.
ولا يتوقف هذا المنطق القمعي عند غزة. فقد استخدم حججًا مماثلة لتبرير هجمات إسرائيل على لبنان.
وباستخدام نفس المنطق العدواني، شنت إسرائيل أيضًا ضربات في اليمن وأوضحت أنها ستتصرف في العراق متى وأينما رأت ذلك ضروريًا.
وبالمثل، استُخدمت الحجة الأمنية المزعومة لتبرير استمرار احتلالها للأراضي السورية، ويتم التذرع بها حاليًا لإضفاء الشرعية على الهجمات المستمرة على إيران، ظاهريًا لمنعها من الحصول على أسلحة نووية وإضعاف قدراتها الصاروخية وقدراتها في مجال الطائرات بدون طيار.
وفي كل حالة، تتكرر الرواية الإسرائيلية نفسها: لا يمكن أن تكون إسرائيل آمنة ما لم تُكسر إرادة الشعوب المقاومة للاحتلال، وما لم تكن هيمنتها بلا منازع. كل معارضة أو خلاف أو مقاومة - سواء كانت عسكرية أو سياسية أو حتى رمزية - يتم تصويرها على أنها تهديد وجودي يجب القضاء عليه.
حتى جهود نتنياهو الدبلوماسية تتبع هذا المنطق الاستعماري. فقد تم الترحيب باتفاقات أبراهام، التي تم توقيعها مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب خلال فترة رئاسته للوزراء، باعتبارها اتفاقات سلام، ولكنها كانت في المقام الأول أدوات للانحياز الإقليمي الذي همش الحقوق الفلسطينية. وبالنسبة لنتنياهو، فإن التطبيع ليس طريقًا للسلام العادل، بل هو وسيلة لتعزيز مكانة إسرائيل مع تجنب التوصل إلى حل ينهي الاحتلال.
فما هو إذن الإرث الذي يسعى إليه نتنياهو؟
إنه يريد أن يُذكر كرئيس الوزراء الذي سحق كل مقاومة للاحتلال، وأنهى حلم الدولة الفلسطينية إلى الأبد، وكرس هيمنة إسرائيل في الشرق الأوسط من خلال القوة العسكرية المطلقة. في رؤيته الاستعمارية، تسيطر إسرائيل على الأرض، وتملي الشروط، ولا تخضع للمحاسبة.
لكن التاريخ قد يتذكره بشكل مختلف.
فما يسميه نتنياهو "الأمن"، يراه العالم بشكل متزايد عنفًا ممنهجًا واحتلالًا وحشيًا. ويشير رد الفعل العالمي على الحرب على غزة - من مسيرات مليونية احتجاجية، إلى إجراءات قانونية دولية، إلى مقاطعة متزايدة، إلى سحب التمثيل الدبلوماسي - إلى أن إسرائيل تحت قيادته لا تكتسب الشرعية بل تفقدها يومًا بعد يوم.
وحتى بين حلفائها التقليديين، تواجه إسرائيل عزلة متزايدة. فبينما تواصل الولايات المتحدة توفير الغطاء الدبلوماسي، لم تعد مصطلحات مثل "الفصل العنصري" و"التطهير العرقي" و"الاستعمار الاستيطاني" تقتصر على النشطاء الحقوقيين. فهي تدخل في الخطاب السياسي السائد وتشكل الوعي العام العالمي، ولا سيما بين الأجيال الشابة التي ترفض التطبيع مع نظام الفصل العنصري.
يجادل العديد من المعلقين بأن نتنياهو يتشبث بالسلطة لمجرد تجنب الملاحقة القضائية بتهمة الفساد أو المساءلة عن إخفاقات هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 على إسرائيل. ولكنني أعتقد أن هذا التحليل يغفل حقيقة أعمق، وهي أنه يرى هذه اللحظة - هذه الحرب الوحشية وغياب المحاسبة الدولية - كفرصة تاريخية سانحة لتحقيق أحلامه التوسعية. في رأيه، هذا هو الإرث الذي سيخلده.
ولكن في سعيه وراء هذا الإرث الدموي قد يحقق عكس ما ينوي تحقيقه. فليست إسرائيل اليوم أقوى، بل أكثر عزلةً من أي وقت مضى. وليست وطناً آمناً، بل دولة يُنظر إليها عالميًا على أنها منتهكة صارخة للأعراف والقوانين الدولية. وليس إرثه إرث قوة، بل إرث انهيار أخلاقي وسياسي سيسجله التاريخ بوصمة عار.
سوف نتذكر نتنياهو. اليوم، بينما تحترق غزة وتواجه إيران تهديدات متواصلة، لم يعد هناك أي شك في ذلك. والسؤال الوحيد هو: هل سيكون إرثه إرث أمن مزعوم، أم إرثًا يترك إسرائيل أكثر انقسامًا، وأكثر إدانةً دوليًا، وأكثر هشاشةً من أي وقت مضى في تاريخها؟
أخبار ذات صلة

يقول شيئًا ويفعل شيئًا آخر: ما هي استراتيجية ترامب النهائية في إيران؟

الهجمات الإسرائيلية تودي بحياة اثنين وتجرح ستة في جنوب لبنان رغم اتفاق الهدنة

اليونيفيل: الجيش الإسرائيلي اقتحم قاعدة في جنوب لبنان
