خطة الجنرال وتداعياتها على شمال غزة
تستعرض خَبَرَيْن تفاصيل خطة إسرائيل العسكرية في شمال غزة، وتأثيرها على الفلسطينيين، مع تسليط الضوء على الأبعاد السياسية والاجتماعية والأمنية. تعرف على المخاطر المحتملة والضغوط الدولية التي قد تؤثر على هذه الاستراتيجية.
من غير المرجح أن تنجح "خطة الجنرال" الإسرائيلية لشمال غزة
وفي 5 تشرين الأول/أكتوبر، شنّت إسرائيل عملية عسكرية برية طالبت فيها بإجلاء الفلسطينيين المقيمين في بيت حانون وبيت لاهيا ومخيم جباليا للاجئين وبلدة جباليا. ثم قطعت نقل المساعدات الإنسانية إلى المنطقة، مما دفع وكالات الإغاثة إلى دق ناقوس الخطر من مجاعة وشيكة.
الهدف المعلن لهذه العملية هو تدمير قوات المقاومة الفلسطينية التي أعيد تجميعها في الشمال. غير أن المراقبين أشاروا إلى أن هذا الهجوم الجديد قد يكون المرحلة الأولى مما أطلقت عليه وسائل الإعلام الإسرائيلية "خطة الجنرال" للتطهير العرقي لشمال غزة كشكل من أشكال العقاب الجماعي للفلسطينيين.
الخطة التي طرحها الجنرال المتقاعد غيورا آيلاند، وتدعو إلى طرد الفلسطينيين من المنطقة وتجويع واستهداف من يبقى منهم في المنطقة قسريًا - على اعتبارهم "أهدافًا عسكرية مشروعة". وفي جلسة للجنة الشؤون الخارجية والدفاع التابعة للكنيست في أيلول/سبتمبر، ورد أن آيلاند قال "ما يهم قائد حماس يحيى السنوار هو الأرض والكرامة، وبهذه المناورة تسلب الأرض والكرامة معًا."
وبعد أسبوع، أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعضاء اللجنة نفسها أنه يدرس تنفيذ الاقتراح. وعلى الأرجح أنه يأمل أن توفر له الخطة فرصة لإعلان "النصر" لحفظ ماء الوجه أمام الجمهور الإسرائيلي، إذ أنه بعد مرور عام على الحرب لم تحقق حكومته أهدافها المتمثلة في "تدمير حماس".
ومع ذلك، من المشكوك فيه أن يكون لدى إسرائيل القدرة العسكرية والمجال السياسي لتنفيذ اقتراح آيلاند بالكامل.
هناك عدة أسباب وراء سعي إسرائيل لعزل الجزء الشمالي من قطاع غزة والسيطرة عليه. أولاً، تريد إسرائيل فصل مدينة غزة، المركز الإداري للقطاع ومقر السلطة السياسية، عن بقية القطاع، وبالتالي تفكيك البنية التحتية المادية للحكم الفلسطيني. ولهذا الأمر أهمية سياسية.
ثانيًا، تعتبر مدينة غزة مركزًا رئيسيًا للخدمات الاجتماعية، حيث يقع فيها مستشفى غزة الرئيسي، مجمع الشفاء الطبي، ومعظم جامعاتها. ويقع فيها العديد من المنظمات غير الربحية والشركات وجزء كبير من الطبقة الوسطى. وتعود جذور العديد من العائلات البارزة المرتبطة تاريخياً بحكم منطقة غزة إلى المدينة. وسيكون لفقدان مدينة غزة تأثير اجتماعي هائل على السكان الفلسطينيين.
ثالثًا، شمال قطاع غزة مهم أيضًا لإسرائيل من منظور أمني. فهو موطن لمخيم جباليا للاجئين، وهو الأكبر في فلسطين، حيث بدأت الانتفاضة الفلسطينية الأولى وحيث تم إحباط العديد من الحملات العسكرية الإسرائيلية الكبرى.
كما أن شمال غزة قريب أيضاً من مواقع إسرائيلية رئيسية، مثل ميناء عسقلان الذي يقع على بعد 10 كم (6 أميال) فقط من حدود غزة. ويقيم جزء كبير من سكان جنوب إسرائيل في منطقة عسقلان-أشدود. كما أن السيطرة على ساحل غزة الشمالي يمكن أن تضمن أمنًا أكبر لجنوب إسرائيل وبنيتها التحتية للتنقيب عن الغاز، وربما تساعد في الاستيلاء غير المشروع على حقل غاز غزة مارين.
ومع وضع كل ذلك في الاعتبار، بدأ الجيش الإسرائيلي الاستعدادات لشكل من أشكال السيطرة الموسعة على شمال غزة قبل وقت طويل من طرح "خطة الجنرال" كسياسة رسمية. ففي تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، بدأ العمل على ما بات يُعرف باسم "ممر نتساريم"، وهو شريط من الأرض يمتد من حدود إسرائيل الرسمية إلى البحر الأبيض المتوسط، ويعزل شمال غزة عن وسطها وجنوبها.
ويوفر هذا الممر الذي يبلغ عرضه 4 كيلومترات (2.5 ميل) للجيش الإسرائيلي مزايا لوجستية وتكتيكية كبيرة، حيث يتيح له إعادة إمداد قواته المتمركزة في مدينة غزة ووسط القطاع والتحكم في تدفق المساعدات الإنسانية التي تدخل شمال غزة.
وقد صُممت هذه المنطقة كمنطقة عسكرية مغلقة تمنع الفلسطينيين من العودة إلى الشمال من الجنوب، حيث أن أي شخص يحاول الدخول إليها يخاطر بالتعرض لإطلاق النار. وتتمركز القوات الإسرائيلية في نقاط متعددة على طول الممر، وتستخدمه كقاعدة رئيسية لتجميع القوات وشن عمليات عسكرية.
وطوال العام الماضي من الحرب الطاحنة، أصدرت إسرائيل مرارًا وتكرارًا أوامر بإخلاء الشمال وسعت إلى طرد من تبقى من سكانه من خلال الحد من وصول المساعدات الإنسانية وقصف المراكز الصحية والمستشفيات والإغارة عليها وتدميرها واستهداف البنى التحتية الأساسية الأخرى مثل آبار المياه ومولدات الكهرباء. كما استهدفت بشكل منهجي المباني السكنية والمدارس التي تحولت إلى ملاجئ لحرمان الناس من المأوى ونشر الخوف. ونتيجة لذلك، تشير التقديرات إلى بقاء 400,000 شخص في الشمال من أصل 1.1 مليون نسمة قبل الحرب.
وتنطوي "خطة الجنرال" على تكثيف كل هذه الأنشطة لإجبار الفلسطينيين على الخروج من شمال غزة بالكامل. وبمجرد إخلاء المنطقة من سكانها، سيعلنها الجيش الإسرائيلي منطقة عسكرية مغلقة، ويمنع الفلسطينيين من الوصول إلى منازلهم وأراضيهم.
وإذا ما احتفظت إسرائيل أيضًا بالسيطرة على رفح في الجنوب، فإن ذلك سيؤدي فعليًا إلى حصر معظم سكان غزة في منطقة أصغر ومكتظة في الوسط أو على طول الساحل، مما يخلق ظروفًا معيشية صعبة. وقد تضغط هذه الاستراتيجية على جزء من السكان لمغادرة قطاع غزة مع مرور الوقت. وقد دعا وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير مرارًا وتكرارًا إلى مثل هذه التدابير، ودعا إلى سياسات من شأنها أن تجبر الفلسطينيين على "الهجرة الطوعية" من خلال خلق ظروف معيشية لا تطاق.
قد تنجح "خطة الجنرال" إذا ما مضت إسرائيل قدماً دون قيود زمنية أو قيود على الموارد. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن يتمكن الجيش الإسرائيلي من مواصلة العمليات في غزة إلى أجل غير مسمى، لا سيما مع الحرب المستمرة مع لبنان التي تتطلب نشر قوات كبيرة وتركيزًا استراتيجيًا ومع احتمال التصعيد مع إيران. كما أن روح الصمود التي أظهرها السكان الباقون في شمال غزة تتحدى فعالية هذه الخطة.
وعلاوة على ذلك، من المشكوك فيه إلى متى يمكن للقوات الإسرائيلية أن تحافظ على مواقعها في شمال غزة دون أن تتكبد خسائر متزايدة من المقاومة الفلسطينية التي لا تزال تعمل هناك. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا إذا حققت إسرائيل نصرًا حاسمًا، وهو ما يتطلب تدمير جماعات المقاومة. ولكن التطورات على مدار العام الماضي أظهرت أن هذه ليست نتيجة واقعية.
كما أن الضغط الخارجي عامل حاسم أيضاً. فقد عارضت الدول العربية، ولا سيما مصر والأردن، باستمرار أي عملية ترحيل واسعة النطاق للسكان الفلسطينيين من قطاع غزة. وقد يكون التطهير العرقي في الشمال الخطوة الأولى نحو طرد الفلسطينيين خارج حدود القطاع. ومن شأن مثل هذه الإجراءات أن تزعزع استقرار هذه الدول وتخاطر بإشعال مرحلة جديدة من الصراع - وهو تطور يُخشى منه ليس فقط في القاهرة وعمان بل في المنطقة بأسرها. وقد يجبر ذلك الدول العربية على اتخاذ إجراءات تتجاوز الإدانات اللفظية المعتادة.
كما تتزايد الضغوط على إسرائيل داخل أوروبا. فعلى الرغم من أن دول الاتحاد الأوروبي فشلت في تبني موقف موحد من الحرب الإسرائيلية على غزة، إلا أن المزيد من الدول تعرب علناً عن دعمها لاتخاذ إجراء حاسم. فقد دعت فرنسا إلى فرض حظر على الأسلحة، بينما حثت إسبانيا على إلغاء اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل.
وفي الأيام الأخيرة، تبنت الولايات المتحدة، وهي أكبر حليف لإسرائيل، خطاباً أكثر صرامة تجاه إسرائيل، محذرة الحكومة الإسرائيلية من أنها قد تقطع إمدادات الأسلحة إذا لم تحسن الأوضاع الإنسانية في غزة. وفي حين وصف العديد من المراقبين هذا التحذير بالساخر، بالنظر إلى دعم الرئيس جو بايدن الثابت لتل أبيب على مدار العام الماضي، إلا أن إدارته ستنتهي قريبًا.
وبعبارة أخرى، لدى إسرائيل مساحة مناورة مضمونة من قبل البيت الأبيض حتى الانتخابات الأمريكية في أوائل نوفمبر أو ربما حتى تولي الإدارة الجديدة في يناير. وأياً كان الرئيس الأمريكي القادم، فإنه سيكون مضطراً لمعالجة تصرفات إسرائيل في غزة، نظراً لأنها مصدر عدم الاستقرار في المنطقة بأسرها وتوسيع نطاق الحرب الإقليمية. فالصراع المطول والمفتوح في الشرق الأوسط ليس في مصلحة الولايات المتحدة الاستراتيجية، لأنه قد يعرض أهدافها الإقليمية الأوسع للخطر.
وإلى أن تتصاعد الضغوط الدولية أو تغير الولايات المتحدة سياستها أو يحدث حدث سياسي داخلي يؤثر في الرأي العام الإسرائيلي، من المرجح أن تستمر الحكومة الإسرائيلية في تنفيذ "خطة الجنرال" دون الاعتراف رسمياً بنواياها. سيتم تقديم طرد الفلسطينيين من شمال غزة كإنجاز عسكري للجمهور الإسرائيلي، في حين أن الأسئلة حول استدامتها على المدى الطويل ستبقى على الأرجح دون إجابة.